Tuesday, November 16, 2004

Dedication الإهداء


الى حبّة المطر التي قبّلت بها شفاه السماء ترابي العطشان ...
الى إبنة الشتاء ...

*****
الى من ذابت أرواحهم في هيكلٍ واحدٍ ، لتولد روحي وتطير .
أبي ، وأمّي .
أخي وأختيّ .

*****

الى من علّمني حياكة الحروف ، لأرقّع النفوس التي مزّقها الجهل
أساتذتي الكرام .

*****

الى من نفخ في بوقه ألحاناً رائعة ، ليرحّب بي .
مشجعيّ الأعزّاء .

*****

إليكم جميعاً ، أخطّ هذا الكتاب .....


الدكتور ساسين النبّوت

Meeting & Friendship لقاءٌ وصداقة


لقد كنت فلّاحاً من قريةٍ جبليّةٍ نائية ، جعلتني بطالة الشتاء قانطاً ، فخرجت من منزلي تحت الأمطار ، لأجد التعزية في حزن الطبيعة .
***
بحثت مطوّلاً الى أن وصلت الى قمّة الجبل المقابل لقريتي . هناك سمعت نغمةً حزينة ، تضاغفت قوّتها مع اقترابي ، ومعها كانت تتضاعف دقّات قلبي ، ومع كلّ دقّة ، كان الحزن يسبح أكثر فأكثر في عروقي ، فخرجت من أعماقي صرخةٌ سبّبها الألم ، ردّدت صداها الجبال المحيطة ، ثمّ ساد سكونٌ رهيب ، خنق الرياح في مهدها ، وجمّد البرد في مكانه .
***
مرّت دقائق الوقت ، وأنفاسي محبوسةٌ ، وروحي معلّقةٌ بين الأرض والسماء . فجأةً سطع أمام وجهي نورٌ رهيب ، كما يسطع البرق في الظلمة الحالكة ، فرأيت فتاةً رائعةً بجمالها ، الذي وشّحه بالكآبة ثوبٌ أسود .
***
وكانت عيناها بحراً من اللؤلؤ ، فراحت أفكاري تتخبّط في اللجج ، والأساسات التي بُنيت عليها حياتي ، صارت تذوب كأنّها أعمدةٌ من ملح ، فأهتزّ كلّ كياني .
فقلت بصوت المستغيث :
- من أنت ؟
قالت : أنا إبنة الطبيعة ، أنا إبنة الشتاء ...
فعرفت ، في قلبي الذي رقد فيه الخوف ، حينها ، من أين حصلت هذه الفتاة على كلّ هذا الجمال .
لكنّي لم أكتفِ ، بل أردت معرفتها أكثر ، ومعرفة سبب بكائها ....
***
فقد كانت أطياف الحزن تلاعب خصيلات شعرها البيضاء الناصعة كالثلج .
فرحلت عنّي أطيافي ، التي دفعتني للهروب من واقع حياتي ، كي تتراقص مع نظيراتها ، على سنفونيّةٍ ، ألّفها أكثر ملحنّي الأرض والسماء حزناً .
ولم يبقَ إلّا معالم وجهي ، التي كانت تحدّق بها ، بعاطفةٍ جبلها الإنسان في قلبي ، على نار جمالها وحزنها .
***
كان الصمت السائد ، كإلهٍ جعل روحينا تتلذّذان بسكون اللسان ، فتفتحت أفواه جراحها الماضية ، التي تكلّمت بدون صوت ، وسُمعت بدون آذان .
لكنّي خرقت السكون ، لأنّ حشرّيتي التي ورثتها ، لم تعد قادرة على الإحتمال ، فسألتها :
- لماذا ، وأنت إبنةٌ للطبيعة ، أتيت الى هذا الحضيض بجسد فتاة ؟.
قالت :
- جئت باحثةً بجسد البشر ، عن صديقٍ من بين أبنائهم .
قلت :
- لماذا تحتاج إبنة الطبيعة الى صديقٍ من بني البشر ، وهي لها حيوانات البراري ، وأشجار الغابات ، والعصافير ، والمياه ، والأزهار، وصخور الجبال ؟. فلو كانت لي القدرة على مكالمتهم مثلك ، لما كنت بحثت بين بني آدم المخادعين . فأنا نفسي من البشر ، وهربت منهم الى الحقول !!.

قالت :
- إنّ في كلّ ما سكن فيّ من حيٍّ وجماد ، أسراراً كثيرةً فاضت بالحزن ، فنغّصت عليّ حياتي .
قلت :
- ولماذا ظهرت عليّ من ظلمة الليالي ، أنا وحدي دون غيري ؟!؟
قالت :
- لأنّي أريدك أن تكون صديقي .
لأنّي رأيتك ، وأنت تراقص أختي إبنة الربيع في عيدها ، فرحاً بفرحها ، الذي أنهته الشمس ، لأنّها لا تريد لأحدٍ أن يبقى سعيداً . متحجّجةً بأنّ ما فعلته هو لأجل أختي ، كي تكون إنسانةً منتجة ، فقتلتها كي تفرح وهي بسمائها بما فعلته ، كي يقول الناس : لولا الشمس ، لما عقدت وكبرت ثمارنا .
لأنّي رأيتك وأنت تروي بمحبّتك ، أختي إبنة الصيف ، التي أحرقتها الشمس الى أن قتلتها ، لتفرح في عليائها الأنانيّة ، ليقول الناس : لولا الشمس ، لما نضجت ثمارنا .
لأنّي رأيتك وأنت تسند بقوّتك ، أختي إبنة الخريف ، زارعاً فيها الأمل ، لكنّ الشمس قتلتها ، بأنانيّتها ، برحيلها ، ليقول الناس : لولا الشمس لما قطفنا ثمارنا .
***
كن صديقي ، فأنا وحيدةٌ أتخبّط في بحيرة الأحزان ، عيوني مختنقةٌ بالدموع ، والتعب سابحٌ في ضلوعي .
أنا وحيدةٌ في بحيرة الأحزان اتألّم .
فأرجوك مدّ يدك من بين الغيوم وانتشلني .
دع ضحكتك تركض اليها لتمحو سوادها ، أعد إليّ الأمل ، إنّ سوادها يعمي عيوني عن الحياة . فاجعلني أعرفها وأحبّها ، بعدما عرّفتني السماء على روحك .
كن لي شمساً تحييني وتغمرني بالدفء ، وأنسني هذه الشمس التي لن تتوقّف قبل أن تقتلني ، كي تتمّ إرادة اله الفصول الذي يسمح بموت واحدتنا ، وولادة الأخرى ، ونموّها على قبر أختها .
أنر كلّ شيءٍ أمامي ، ودعني أرى الحقيقة ، حقيقة نفسي التي أكرهها .
علّمني كيف أحبّ ، واروي قلبي من حنان قلبك ، فقلبي ضعيف .
أرجوك دعّم جدرانه المهدّمة بقوّتك . دعّمها ، واعلم أنّ ما تفعله ، هو لأجل اللّه الذي خلقني
وخلقك . اللّه الذي ربطنا بالمحبّة التي لا تموت أبداً . ربطنا سويّاً ، وأنت لم تكن تراني ، إلّا في شتولك وأرضك وفضائك ، لكنّي كنت دوماً أراك ، في كلّ لحظات حياتك ، لأنّك ساكنٌ في
قلبي ...
***
ولم تكن لي القدرة على الرفض ، لأنّي كنت هائماً بجمالها ، الذي لم أجد مثله عند بنات البشر . لأنّي كنت تائهاً بكلماتها ، التي تناقلتها الرياح نغماً ، لم أسمع بمثله قط .
ثمّ مرّت لحظاتٌ على قلبي ، فضّلت في نفسي أن أموت ، على أن أعيش بدونها حياتي .
لكن ، وككلّ اللحظات السعيدة ، التي تنتهي بسرعة ، جاء اليها طائر البوم ، ليخبرها أنّ الشمس التي يعرفها الناس ، في طريقها الينا . فتركتني ، كي تتمّم العمل الذي أوكلته الفصول
اليها ، وراحت تنثر الغيوم ، وترشّ الثلوج فوق كهف الشتاء ، الذي كانت تسكنه ، كي تحمي أتباعها ونفسها من غضب هذه الشمس .
***
كان هذا الفراق الأوّل ، ومعه عادت إليّ أطياف حزني ، التي كانت قد تركتني . عادت مشبعةً بحزنٍ لم ألقَ مثله ، حتى في أقسى لحظات حياتي ....
***

The First Night الليلة الأولى


كنت خادماً للأرض منذ زمنٍ بعيد ، ولم أجد بين أهلها من طلب منّي أن أكون صديقه ، في أقلّ من ساعتين ، إلّا إبنة الطبيعة ، التي دفعتني لألامس حجارة وتراب الأرض في جسدها ، لأتأكّد ما إذا كنت صاحياً أم حالماً .
***
عدت من المكان الذي التقيتها فيه ، على طريقٍ أوحلته أمطار الشتاء . وكانت الرياح تعصف بشدّةٍ ، كأنّها معركةٌ بين أطياف فرحي التي رقصت للقياها ورفقتها ، وأطياف حزني التي انتحبت لفراقها .
***
وصلت منزلي في ساعةٍ متأخّرة ، بعد مصارعةٍ طويلةٍ مع الأوهام والمخاوف ، فوجدت أمّي بانتظاري ، وقالت منتهرةً إيّاي :
- ألا ترى أنّ الطبيعة شديدة الشراسة في هذه الأيّام ، فكيف تسمح لنفسك بالبقاء خارجاً لمثل هذا الوقت المتأخّر ؟.
فقلت وأنا حالمٌ هائمٌ :
- إنّ الطبيعة شديدة الجمال يا أمّي الحبيبة ، الطبيعة ناعمةٌ لدرجة أنّها لا تخيف ...
قالت :
- ما هذا الجنون ، أدخل واستحمّ قبل أن تصاب بالبرد ...
فاستحممت بدلو الماء الساخن ، الذي كان يغلي على نار الموقدة ، وهويت على فراشي من شدّة الوهن والتعب ، فلفّتني مَن ولدتني بلحافٍ من الصوف ، وهي تقول في نفسها : يا ليتني أستطيع مساعدتك يا بنيّ ، فأرسلك الى المدينة بعيداً عنها ...

ثمّ أطفأت السراج ، وغطّ البيت في ظلمته ، التي لم يعكّرها إلّا وهج البرق ، الذي كان يلحق بظلمة الشتاء ليخنقها ، حتى أبعد الزوايا الضيّقة .
***
مرّت ساعات الليل المتبقّية كفصلٍ من الفصول . فقد بدأ الربيع في أحلامي ، وانتهى شتائي .
والبذور التي نثرها كلّ منّا في قلب الآخر ، ارتوت بماء المحبّة ، فأرسلت براعمها المشتاقة للدفء ، لتلاقي أشعة الحبّ ، التي نزلت من بين الغيوم كضاحكٍ منتصر ، تمكّن من غلب الشتاء ، شتاء قلبينا .
ومن كان ينظر الى وجهي ، كان يعرف مدى سعادتي ببداية الربيع ، مع أنّنا كنّا لا نزال في كانون الأوّل ...
***

The First Day اليوم الأوّل


استيقظت باكراً في الصباح ، مع أنّني لم أنم كثيراً ، استيقظت وأنا أسمع بأذنيّ صوت زقزقة العصافير ، ففتحت النافذة ، ورحت أقول لأمّي :
إفرحي ، فإنّ الطقس رائعٌ اليوم ، والنسمات ناعمة .
فهرولت مسرعةً لتقفلها ، لأنّ ما دخل منها ، كانت ريحاً محمّلة بالثلوج ، وراحت تقول :
- نجّنا يا ربّ من شيطان الجنون ، إنّ الصبح لم يلقِ علينا تحيّته بعد !!

لكنّي لم أحفل بذلك ، لأنّ ما فعلته بي إبنة الشتاء في لحظاتٍ قليلة ، كان أكثر بكثير ممّا يقدر على فعله أيّ إنسان . فقد نظرت الى نفسي فوجدتها فرحة ! وبرأيي لم يكن ذلك على حساب راحة الآخرين ، فهم من يحشرون أنوفهم في قضايا لا تهمّهم .

***

ارتديت ثيابي ، وخرجت الى الأرض ، كما يخرج الفلّاحون في أيّام الصيف الى حقولهم ، فتتّبعتني نظرات جيراني ، من وراء زجاج نوافذهم ، وأنا متجّهٌ الى الجبل الكبير ، الى أن أخفاني عنهم بعدي ، وأنا أقول في نفسي لهم : لماذا ؟ لماذا ؟
لماذا عليّ أن أكبت تلك النار في داخلي ؟
ولماذا يجب أن يشوى على سعيرها قلبي ؟
لماذا عليّ أن أخفي أحلى أيّام حياتي ؟
هل لتبقى أفواهكم مقفلة ، فلا تشطّ ألسنتكم من شدّة الحر ؟
هل لأنّ عقولكم الصغيرة ، لا تستطيع أن تفكّر إلّا بألأذى ؟
أم لأنّ زجاج منظاركم قذر ، فلا ترون من خلاله إلّا القذارة ؟
لماذا لا تنضجون ، لماذا لا تعون ؟
هل تعتقدون الصواب ؟
أنظروا الى السماء ، فتروا نور الشمس ساطعاً ؟
لكن هل لكم بصيرة ؟....
***

دخلت الى الكهف ، الذي تواعدنا على اللقاء فيه في أوقات النهار ، التي تكون فيها الشمس بعيدةً لا ترى . لأنّ إبنة الشتاء لم تكن تحبّ نور شمس الطبيعة ، وتخشى عليّ منها إن حصل
وعرفت بما بيني وبينها . دخلت الى كهف الشتاء ، فوجدته مقبرةً لذكريات الفصول الثلاثة الأخرى ، التي قتلتها الشمس . ذكريات كانت ترتديها إبنة الشتاء في أيّام حزنها ، ثمّ تنظر الى المرآة لترى أخواتها ، لأنّهم كانوا أربع فتيات لهنّ وجهٌ واحد ، وجسدٌ واحد ، وجه وجسد أمّهم الطبيعة ، كما قالت لي .

***

كانت فتاتي لا تزال لابسةً ثوب الحداد ، والدموع تلمع في عينيها ، فقلت لها :
إخلعي عنك السواد ، وإكتسي حلّة الفرح .
إكتسيها ، لأنّ الأشواك التي صنعتها الشمس ، لن تعود لتؤذيك .
لن تعود لأنّ ربيعنا أتى ، وهاك هذا التاج ، الذي حكته لرأسك من أشعّة شمس حبّنا وصداقتنا ،
تاجاً يذيب ثلوج أحزانك ، فيحوّلها فيضاناً ، ليجرف الآلام ويروي قلبك .
يرويه فتحيا بذلك البذور التي نثرتها في قلبك ،
يحييها أزهاراً ،
أزهاراً لنا ...

قالت :
لا ، هذا مستحيل ، فأنا إبنة الطبيعة التي ولدت فقط لتبكي ، وليشرب الناس من دموعها ...
وسيبقى وجهي هكذا ، لأنّه كما تتلاطم في باطن الأرض الحمم ، وتتضارب ، هكذا تتشابك الأحزان والآلام في قلبي . تتشابك ، لتتّحد وتلد بركاناً ، يشقّ طريقه الى وجهي .
بركاناً ثار ، فأحرق معالم جمالي بلججه الحامية ، ووشّحني بثوب الحداد .

فقلت والحرقة تلهب أحشائي :
دعيني أروّي جمالك بماء محبّتي ، دعيني أروّيه ، لتنبت عليه الأزهار سريعاً ، فأرضك
صارت خصبةً جدّاً ....

فأرجوك لا تبكي يا روحي ، لأنّه لا يوجد من يستحقّ أن تبكي لأجله .
لا تجعلي الأحزان تغلبك فتشلّك ، لأنّه لا يوجد من يستحقّ أن تحزني لأجله .
أنظري فالحياة أمامنا ، وسنعيشها كما كتب لنا ، معهم أو دونهم .

قومي ، قومي لنسير على تلك الدروب ، حيث لا مكان للكره والخطيئة !.
قومي لنطير في الفضاء الواسع ، فلا تلامس أرجلنا الأرض ، التي اتّسخت بهم وبآفاتهم !.
قومي الى البحر ، فتتّسع عقولنا بسعته لكلّ عظيم ، فنرمي عنّا صغائر الأمور ، التي لم تخلق إلّا للصغار !.
قومي لنقتل الفراغ في نفوسنا ، بالسعادة ، بسعادتنا بوجودنا ، بسعادتنا معاً !.
قومي فنتعانق في النور ، حيث لا يستطيع الناس أن يروا ، لأنّ النور يعمي أبصارهم !.
قومي لنرى العاصفة ، عاصفة غضبنا على هذا العالم .....

***

ثمّ عانقتها ، كما تعانق مياه الشتاء التراب ، فتميت الموت ...
كما تعانق أزهار الربيع أغصانها ، معلنةً بداية الحياة ...
كما تعانق حرارة الصيف الأثمار ، فتزيد من نضجها ...
كما تعانق مواسم الخريف أفواهنا ، فتنعصر لنشرب حلاوتها ...
لنشرب أتعاب الفصول ،
لنشرب كأس الحياة ...
***

وخرجنا كسكرانين من كأس الحبّ الذي شربناه ، وكنّا لا نخشى أن يرانا أحد ، لأنّ ربيعنا ، كان يرشّ علينا بكثافةٍ كبيرة ، الأزهار التي قطفها من ربوع الجنّة .
ثمّ أوصلتني الى عتبة داري ، فتركتني وحيداً بعدما ودّعتها ، هي الراحلة لتقاتل الشمس ، التي كانت تحاول الدخول الى قلبها .

***

دخلت البيت ، ووجدت أمّي مشتعلةً غضباً ، وراحت تؤنّبني قائلةً :
ألا تخاف من هذه الرياح العاتية المحمّلة بالثلوج ؟ الا تخاف من كلام الناس عليك ؟.

قلت :
هذه الرياح يا أمّي محمّلة بالأزهار .....

***

ثمّ خلدت الى النوم ، لأحلم بمن صارت كنه حياتي ووجودي ....

***

The Flower Of Winter قرنفلة الشتاء


صارت حياتي حلماً جميلاً ، أخرجني من حالة القنوط الرهيبة ، التي كانت تفتّت قوّتي ، كما تفتّت الرياح الرمليّة صلابة الصخور . وصرت أقضي أيّامي كلّها معها ، كاليوم الأوّل ، غير عابئٍ بالتوبيخ .
***
فقد كنت من قبل ، نحلةً صغيرةً يائسة ، لأنّي طرت في الربيع ، والصيف ، والخريف ، والشتاء ، طرت في كلّ مكان ولم أجد إلّا الأشواك القاسية ، ولم تدخل لتنعش أنفي يوماً إلّا رائحة العفن .
طرت وعيوني غارقةٌ في الدموع ، دموعي على نفسي !؟!
طرت وأنا أبكي قدري ، الذي أوجدني في هذه الصحراء القاحلة . لأنّي لم أجد الرحيق الذي من دونه لا أعيش ، والذي لا تملكه إلّا زهرةٌ واحدة ، القرنفلة الحمراء ، التي طرت باحثاً عنها في كلّ مكان ، لأبني قفيري بقربها .
طرت بلا أملٍ بوجودها ، إلّا في عالم الأحلام .
طرت طويلاً وطويلاً ، حتّى كلّت من التعب أجنحتي . فلم أعد أجد إلّا طيف الموت مرفرفاً أمامي ، فعدت إلى عالمي الذي إعتقدت أنّي أعرفه ، لأموت حيث ولدت ، عالمي الذي حفظت زواياه غيباً ، فماذا ترى عيوني ؟
وما الذي ينعش أنفي ؟
أليست هذه هي الزهرة التي كنت أبحث عنها بلا أمل ؟
هل هذا ما يسمّونه السراب ؟
هل هذا جوعي وعطشي ؟
***
نظرت إليها ، فامتلأت عيوني وروحي بالأمل ،
نظرت إليها ، فاحمرّ لونها الأحمر من كثرة الخجل .
نظرت إليها وأنا أسأل نفسي : لماذا لم أرها من قبل ؟
فوجدت الأشواك تحيط بها من كلّ جانب ، وجدتها تتلوّى أمام أصابع الشوك ، كما تفعل الأوتار في يد العازف .
وجدتها مع تلك النغمة الحزينة ، مع تلك الدموع الخفيّة ، فسألتها : كيف وصلت الى هنا ؟
قالت : من السماء ، رماني عصفورٌ ملائكيٌّ كبير .
قلت : لماذا جئت ؟
قالت : جئت لأعيش ، فذوّبتني الشمس بجفافها .
قلت : ولماذا تذوّبك الشمس ؟
قالت : لأنّها اعتقدت أنّها بسرقة الماء الذي به أعيش ، أحبّها وأشتاق إليها أكثر ، فلم تعلم أنّها تقتلني وتميتني ، بل إنها تأخذ حياتي .
قلت : وهل تعلمين أنّي أنا أيضاً لا أستطيع العيش بدونك ، وأنّها إن قتلتك ، تقتلني ؟
قالت : نعم أعرف . وكما تحتاج أنت لرحيقي ، كذلك انا بحاجة إليك .
بحاجةٍ إليك لتداعب أوراقي ، لتحرّكني بحنان .
بحاجة إليك لأخرج من جوفي تلك البذرة ، لأحيا من جديد .
بحاجة إليك لأعود الى الحياة ، فلا تتركني وحيدة ....
قلت : أبداً لن أتركك .....!!
***

Fighting The Sun وهي تتحدّى الشمس


كانت فتاتي في صراعٍ مستمرّ مع شمس الطبيعة ، التي كانت الأقدار ، تسمح في بعض الأحيان ، لسيوفها بخرق الغيوم ، التي كانت كترسٍ ، يحمي إبنة الشتاء منها .

***

في يومٍ من الأيّام زرتها ، فوجدتها كئيبةً ، يحوم حول رأسها طيف الموت ، فسألتها ما بها ، فقالت وهي تجهش بالبكاء :
إنّ سيوف الشمس مزّقت جسمي إرباً ، فسالت دمائي ، وصار اصفرار وجهي ، أشدّ اصفراراً من وريقات الخريف .
ساعدني ، أرجوك ساعدني ، فطلّات الشمس من بين الغيوم ، تكثر يوماً بعد يوم ، كأنّها تعرف بأنّي خرقت القانون ، وحصلت على الربيع ...

***

فقطفت من أزهار الذي كنّا نعيشه باقةً ، وجعلتها حجارةً في قلعةٍ ، لأحمي بها ملكة أزهاري ، ولأحجب بها الجفاف عن أوراقها . فتلقّت الأزهار في صدورها سيوف الشمس ، وتلحّفت بالدماء ، دماء حبّها ووفائها للملكة .
دماءً سالت على الأرض ، فامتصّتها جذورها ، وصعدت في جذعها ، فتحوّل شحوب وجهها الى احمرار ، تحوّلت من جديد ، وردةً حمراء .

***

وهكذا في كلّ مرّة ، كلّما رأيت أنّ العفن ، طال أجساد الأزهار الصغيرة ، كنت أحمل من أزهار الربيع ، التي أجدها في طريقي الى زيارتها ، وأقدّمها لها ، فتحمرّ خدودها من الخجل ، كما تفعل خدود فتيات الأرض ، عندما يهديهنّ حبيبٌ زهرة ....

***

Words كلمات


مرّت أيّامٌ كثيرة ، قضينا معظم أوقاتها معاً ، بسعادةٍ كبيرة رقصت لها روحانا .
فسألتها في أحد الأوقات ، ككلّ شباب الأرض ، الذين يدفعهم كبرياؤهم ، وحشريّتهم ، لمعرفة إن كانت الفتاة التي جالسوها أيّاماً تحبّهم ، قائلاً : أتحبّينني ؟

قالت :
وهل أظهرت تصرّفاتي ، في يومٍ من الأيّام ، أنّي لا أحبّك ؟!
فأنت إبن الطبيعة ، الذي لم تلده من الفصول .
أنت إبن الطبيعة الذي لا أستطيع العيش بدونه ، الذي يظهر في الفصول ، وهو أساس وجود وحياة كلّ منها .
أنت الوحيد الذي يستطيع التخفيف علينا ، نحن الأربعة ، من الآلام التي تزرعها فينا الشمس . لكنّك طالما سألت ، فأنت هل تحبّني ؟

قلت :
إنّ خوفي ، رغم محبّتي الكبيرة لك ، دفعني لأرسل كلماتي داخل الغيمة ، فلم تفهميها . مع أنّ برد حزنك ، أسقطها قطراتٍ ، لتطفىء نار غضبك . فامتصّها جفافك ، الذي إبتدعته الآلام .
وأنا انتظرت عودتها طويلاً ، أمّا أنت ، فاحتفظت بها في داخلك .

***

Soft Breeze نسمة


قضيت أوقاتاً كثيرة ، وأنا أنقّب في أفكاري ، عن الكنز الذي وضعته إبنة الشتاء فيّ أمانةً .
فلم أجد نفسي في الماضي ، إلّا بذرةً صغيرة ، رميت قرب غديرٍ في الوادي ، كان يسيل ماؤه وحيداً في الفراغ ، فلا يروي إلّا الأشواك ، التي كبرت على حسابه .
كبرت فراحت تؤلم أطرافه ، هو من كان سبب الحياة في عالمها الجاف ، الذي ولدت فيه وبقيت ، بذرةً لم تستطع الوصول الى الماء ، الى من سيعطيها الحياة .
الحياة التي انتظرتها طويلاً ، وأنا أصلّي للسماء .
أصلّي ، الى أن سُمعت صلاتي .
***
فهبّت نسمةٌ ناعمة .
نسمةٌ مرّت بقربي ، فهزّت مشاعري كما تهتزّ أغصان الشجر .
نسمةٌ دخلت الى جسدي ، فطارت آلامه كما تطير أوراق الخريف .
نسمةٌ وصلت الى عقلي ، فبرّدت غضبي كما تبرد شدّة الحرّ .
نسمةٌ انسابت الى قلبي ، فارتجف فرحاً كما يرتجف سطح الماء .
نسمةٌ ذابت في روحي ، فانتفضت فيّ الحياة كما تنتفض ذرّات تراب الأرض .
نسمةٌ بولادتها ، ودّعت موتي ......
***
... فقد حملت معها ، ماءً من الساقية لترويني .
وأطفأت الجفاف الذي عانق روحي ، الذي خنقني لسنواتٍ طويلة ، مرّت علي وكأنها لم تمرّ .
مرّت ، ولم تكن محسوبةً من عمري ، الذي لا يزال صغيراً .
عمري الذي بدأ عندما هبّت تلك النسمة .
عندما إرتويتُ بماء النبع ، الذي أخرج أحاسيسه من الأعماق .
أحاسيسه التي دخلتني ، فنمّت جذوري وأغصاني ، نمّت روحي ، حتّى صرت شجرةً كبيرة ، يسير ماء إبنة الشتاء في عروقها . يسير مع كلّ نبضةٍ من نبضات قلبها .
نبضة تقول في كلّ لحظةٍ ، شكراً لك يا الّله .
شكراً على النبع الذي أعطاني الحياة .
الذي أعطاني نوراً لعيوني .
نوراً أرجوك ألّا تتركني أخسره . لأنّي إن خسرته أخسر من كان سبب حياتي ، أخسر حياتي ، أخسر التي علّمتني الحياة ، وربّما فيما بعد العصفورة ، التي ستعيش في قلبي في يومٍ من الأيّام .
العصفورة التي لن تختار شجرةً جافّة لتعيش فيها .......
***

A Storm In Our Spring عاصفةٌ في ربيعنا


وصلت الى قلب شبابي ، فأحسست بدفء الحرّية . دفئاً نزع من قلبي ثلوج الأحزان الكثيفة . دفئاً غمرني وزاد عليّ ، فأحسست أنّي بحاجة ولو الى نسمةٍ صغيرة ، لتبرّد احمرار وجنتيّ ، نسمةٍ بحثت عنها ووجدتها . وجدتها ناعمةً تداعبني وتفرحني ، أنا الذي اعتاد الجفاف والألم .
وجدتها ولم أكتفِ لأنّي إنسان .
***
لم أكتفِ ناسياً سنين البرد التي عشتها ، ناسياً أنّ الدفء الذي غمرني ، لم يفعل إلّا منذ زمنٍ قليل . ناسياً أحلامي ، أحلامي عن الحياة السعيدة ، عن الحياة الدافئة .
***
لم أكتفِ ، فدخلت عاصفةً لم تكن في الحسبان . عاصفة كانت تلك النسمة الصغيرة ، كشركٍ أوقعني فيها . فقبضت عليّ ، وأعمت عيوني بالدموع ، ولفّت قلبي بالأكفان .
قبضت عليّ ، فألبست روحي ثياب الحداد على نفسها .
قبضت عليّ ، وراحت زوابعها تتقاذفني ، فجعلتني أرتطم تارةً بجدران منزلي ، التي عهدتها ملساء ، فجرّحتني بأشواكها ، وتارةً بأفكاري وقيمي ، التي كنت لها حاكماً ، فأثقل نيرها كاهلي .
***
هكذا بعد أن حصلت على الدفء والنضج ، نسمةٌ صغيرة ، وطمعٌ بالسعادة ، رمياني في عاصفة .
عاصفة قامت عليّ من أبناء قريتي التي رآني أحدهم أجالس فتاةً في البراري .
***
هكذا بعد أن تخلّصت من الأحزان ، عاد شبحها ، ليضع آخر حبّة ترابٍ على قبري ! ولماذا ؟. لماذا أتألّم وأنا لم أؤلم أحداً ؟
لماذا أبكي وأنا لم أبكِ أحداً ؟
لماذا دخلت في دوّامةٍ تعمل على فصل روحي عن جسدي ؟
ألست إبناً لهذه الأرض ؟ فلماذا تحاول أن تبتلعني ؟
بماذا أخطأت ؟
ألأنّي أحبّ من كلّ قلبي ، من كلّ جوارحي ؟!
أليس هذا أجمل ما أعطاني إيّاه الّله ، لأحيا سعيداً ؟
لماذا يتحوّل كنه سعادتي الى حفّار قبري ؟
***
ساعدني يا الّله ساعدني !! لا تتركني وحيداً أغرق .
أرجوك يا إلهي ، يا من أوصلها اليّ !
يا من جعلني توأماً لها ! دلّني على طريق الخلاص والسعادة ، فإن كنت مخطئاً في ما أفعل ، صحّح خطإي .
وأن كنت صاحب حقٍ أعطني حقّي ، قبل أن أموت أو أجنّ ، وأنا في عزّ شبابي ؟
ساعدني ولا تتركني أكره من هم ضدّي ، هم من علّمني المحبةّ !
دلّني على برّ الأمان قبل أن أغرق ، أغرق .... أغرق !!.....
***
فرأيت من بين طيور السماء ، يمامةً بيضاء ، تقترب منّي لتقول ، إنّ برّ الأمان قريب .
إنّ تلك العاصفة ، هي ظلم المجتمع .
ومهما كان الظلم قويّاً ، فالمحبّة أقوى من أن تموت ، وهي الوحيدة التي نستحقّ أن نعيشها ، حتّى ولو بألمٍ ، لأنّه بالألم أنقذ المسيح الإنسان من الخطيئة ، ومهما تألّمنا فالمسيح عزاؤنا .
***
بعد سماع كلماتها ، أحسست جسدي سفينةً ، كانت روحي لها الشراع .
سفينةً يسيّرها الّله .
سفينةً طارت بقربها اليمامة ، حتّى وصلت الى السلام ، بعدما تعبت من الحرب .
حربٍ مع المستحيل .
حربٍ مع الفراغ .
حربٍ جعلتني أعتقد أنّ تلك النسمة ، هي لقتلي .
هي التي بولادتها ودّعت موتي .....
***

The White Dove اليمامة البيضاء


كانت واحدةً من بنات جيلي ، التي رأت الدموع في عيوني ، فاقتربت لتمسحها ، ولتعطيني قوّةً أتمكّن بها ، من التغلّب على العاصفة ، مع أنّ أقرب الناس إليّ ، كان من سبّبها ، فصرت أبعد الناس عنه .

***

هي اليمامة البيضاء ، التي طارت في الربيع ، فحملت منه نضارة الشباب ،
نضارةً مثل نضارة أزهاره العطرة .
طارت في الصيف ، فحملت منه دفء الحياة ،
دفئاً مثل دفء شمسه المشرقة .
طارت في الخريف ، فحملت منه نضج النظرة ،
نضجاً مثل نضج أثماره الساحرة .
طارت في الشتاء ، فحملت منه نقاوة التفكير ،
نقاوةً مثل نقاوة ثلوجه الناصعة .
طارت في الربيع ، في الصيف ، في الخريف والشتاء .
طارت ولم يهمّها لا وقتٌ ولا مأوى ولا طعام .
طارت وهدفها إيصال تلك الرسالة .

الرسالة التي كانت النضارة لها وشاحاً ،
والدفء حارساً ،
والنضج عنواناً ،
والنقاوة جمالاً .
رسالة حملتها من إنسان .
من إنسانٍ الى إنسان .
رسالة أوصلتها إليّ ، فرقصت لها روحي إبتهاجاً ،
لأنّي قرأت عليها :
أنا معك أيّها الأنسان ....
لأنّي رأيت من خلالها إنساناً ،
إنساناً يسكّن آلامي بمحبّته ،
إنساناً يشاركني أوجاعي بإحساسه ،
إنساناً يصبّرني بوقوفه قربي ،
إنساناً يدعوني لأشدّد إيماني ،
إنساناً يفتح عينيّ على الّله فيّ .

فقلت لها :
شكراً لك أيّتها اليمامة البيضاء ،
شكراً لك يا حاملة الرسالة ،
فلولاك لبقيت بعيداً في الجبال ،
بعيداً لا يشمّ عطرها إلّا الشباب ،
بعيداً لا يحسّ بدفئها إلّا من هم قرب الشمس ،
بعيداً لا يتلذّذ بنضجها إلّا الحصّادون ،
بعيداً لا يلبس نقاوتها إلّا من هم ليسوا بحاجة ،
بعيداً ، مطمورةً في أدراج النسيان ....

***

You Must Forget عقوبة النسيان


رأت إبنة الشتاء كيف اضطهدتني عاصفة الناس ، فراحت تقول في نفسها :
ماذا فعل هذا الشاب من خطأ ؟
لقد كان مرتاحاً قبل أن أدخل حياته .
إنّي أحبّه ولا أريد أن يقتلوه ، وليس أمامي إلّا حلٌّ واحد ، وهو أن أبعده عنّي . لأنّه من المستحيل عليه قتال أهله .
عليّ أن أبعده عنّي ، حتى ولو كان الثمن حياتي ، التي سترحل عن روحي مع رحيله .

***

... وصلت في ذلك اليوم الى فتاتي ، فوجدتها مهمومةً حزينة . سألتها عمّا بها ، فقالت لي على الفور : إنّ هذا اليوم هو من أكثر الأيّام حزناً ، فقد أخذ المستحيل قراره ، الذي حكم علينا بالفراق ...
***

واختفت من أمام وجهي ، فخرجت من العاصفة راكعاً باكياً مردّداً :
أيّها المستبد الظالم الذي سقطت من عيونه المقاييس !
أيّها الحاكم ، الذي له كلّ العالم سواء ، لأنّهم ضعفاء !
لماذا أصدرت حكمك عليّ ؟ يا له من حكمٍ جائر ؟
لماذا حكمت عليّ بعقوبة النسيان . هذه العقوبة التي الإعدام أسهل منها ؟
الا تعرف أنّي لو متّ ، لنسيت أفراحي وأحزاني ؟
فكيف تريدني أن أجعل أفراحي منبعاً لأحزاني ؟
كيف تريد من أفراحي أن تعلّقني على خشبة الآلام ؟
كيف تريدني أن أنسى الدفء ليحلّ محلّه البرد ؟
كيف تريدني أن أنسى الحنان ليحلّ محلّه الجفاف ؟
كيف تريدني أن أنسى الحبّ ليغمر قلبي الظلام ؟
أليس هذا مستحيل أيّها المستحيل ؟
فلماذا تأمرني بما لا أستطيع تنفيذه ؟
هل خفت على نفسك منّي ، وأنا إنسانٌ ضعيف بجسدي ؟
هل خفت على قوّتك من سطوة إرادتي ، فأمرت بقتلي ألف مرّة ، حتّى أموت مرّة ؟...

ثم هويت على الأرض ، رازحاً تحت حملٍ أثقل من الجبال . واشتعل الشوق في أعماقي ناراً ، ذابت روحي أمام ألسنتها ....!!!

***

Missing شوقنا


مرّت أيّامٌ كثيرة منذ فراقنا ، وقد كنت أحسّ في قلبها ، الذي سكن أعماقي ، أنّها لن تطيل البقاء بعيداً عنّي .
أنّها ستعود لتفتح لي باب كهف الشتاء ، الذي زرته مرّاتٍ عديدة ، دون أن أجد أحداً ، إلّا أطياف آلامي ، التي كانت تمزّق جسدي بضربات قضبانها . ولم يكن لجراحي من بلسمٍ ، إلّا أطياف ذكرياتي السعيدة ، التي استدعاها شوقي لتغذّيه ، فيكبر ويزيد .

***

شوقي الذي كان كشوق الثلج ، لعناق أشعّة الشمس ، وعندما أتت الشمس استحى وتوارى بين الصخور .
كشوق الحرّ ، لملاطفة البرد ، وعندما أتى البرد ، هرب مسرعاً الى المواقد .
كشوق الظلام ، للقاء نور النهار ، وعندما أتى نور النهار ، إبتعد الى الزوايا والأزقّة .

***

هكذا كنّا . نشتاق كثيراً ولا نتلاقى .
فهل هناك وقتٌ لتلتقي الثلوج مع الشمس ؟
هل هناك وقتٌ ليلتقي حرّ الصيف مع برد الشتاء ؟
هل هناك وقتٌ ليلتقي نور النهار مع سواد الليل ؟
هل سيطول شتاؤنا كثيراً ؟
هل سيكفينا حصاد المواسم من الذكريات لنعيش خلاله ؟

***

صرخت أمام الكهف بصوتٍ عالٍ :
إنّي متلهّفٌ لأرى حلّتك الجديدة ، فهي التي تعطيني الحياة ، هي التي تكفيني .
ومهما كان الربيع ، ربيعنا الذي مرّ علينا قصيراً ، فاعلمي أنّه لا ينتهي ، لأنّه حياتنا معاً . واعلمي أنّ الغيوم التي صنعتها الشمس ، لا تستطيع إبعادي عنك ، أنت وردةٌ في حقلي ، في حياتي .
ولن تكون لي حياةٌ دونك ، فعودي ، أرجوك ، عودي !!..

***

... ففتحت الباب وعانقتني بشدّة ، وكان هذا أقصر شتاءٍ عشته في حياتي ...

***

The Flower Of Life زهرة الحياة


عدت الى منزلي الصغير ، وأنا فرحٌ بعودتها إليّ .
فرحٌ لأنّ اللّه أنقذ المحبّة التي بيننا ، وأوقف الناس عن رجمها بالحجارة ، لأنّها طاهرةٌ نقيّة .
***
فقد كان حبّها لي زهرةً وحيدةً بروعة جمالها ، على شجرة الحياة ، حياتي .
وحيدةً تنتظر المستقبل ، تنتظر تحوّلها الى ثمرةٍ ناضجة ، فامتلأ قلبي بالخوف .
الخوف من أن تنضج ، فيسرقها الناس .
الخوف من أن تنضج ، فيخرقها الدود .
فانتظرتها ، لأحرسها من ذباب الخطيئة ، من الناس ، والبرد ، والجفاف .
إنتظرتها فرحاً ناسياً أتعابي ، وآلامي ، وأحزاني .
فرحاً أنظر اليها لأدفئها .
فرحاً بعذابي لأجلها ولا حياة بلا عذاب .
فرحاً أنّي لم أقطفها وأدُسها كي أعيش مرتاحاً ،
مرتاحاً من كلّ شيء ....
***

In Jail بين القضبان


كانت إبنة الشتاء عصفورةً حزينة ، وكنت لها مثل شجرة .
فقد بحثت عنها دوماً ، ووجدتها بين فروعي وأغصاني .

***

وجدتها تمشي ، وكان وقع قدميها مؤنساً لوحدتي .
وجدتها ترقص ، وكان تمايل جسمها يجذب اليها قلبي .
وجدتها تغنّي ، وكان صوتها يناغش روحي .
وجدتها تبكي ، وكانت دموعها تمحو الضباب عن أوراقي .
وجدتها تفكّر ، وكانت عيونها تنير ظلمة أعماقي .
وجدتها ترقب ، وكان خوفها يبثّ القوّة في عروقي .
القوّة لأحميها من حرّ الشمس ، من الأفاعي .... من الناس ....

***

كانت عصفورةً حزينة فقلت لها : أخرجي من بين القضبان ، التي أسرتك بها الشمس .
ففي هذا القفص الزائف ، غمرك دخان الحزن فأبكى عيونك .
في هذا القفص ، حاصرتك أشواك الآلام فجرّحت جسدك .
فيه أذابتك حمم الهم فشلّت روحك .
فيه خبّأتك الظلمة فأنعشت وحدتك ، ولن يقتلك شيء إلّا وحدتك .

***

فأخرجي من بين القضبان التي أسرتك بها الشمس ، وأنظري الى أمنا الطبيعة .
فيها فقط نحسّ أنّنا أحرارٌ .

فقالت :
وأين هي هذه الحرّية ؟
لقد داستها أقدام الفوضى ....

... ثمّ بكت لأنّ الإنسان يعيش في قفصٍ كبير ، حاكه الناس حول الأرض فكبّلوا أجسادهم وأرواحهم ، وغيرهم ....

***

My Mistake خطأي


ككلّ لحظات البشر السعيدة ، التي تزول كالغبار ، من أمام وجه رياح الأزمنة .
دخل الشيطان قلبنا ، ليهدم ما بنته محبّة اللّه ، فجرّبنا معاً .
فجعلني أخطئ بحقّها ، لأنّ طمعي وخوفي عليها ، أراداني أن أضعها في سجن نفسي ، وأحرمها من رؤية الحياة ، فرفضتني ، واتّهمها طمعي بما كنت أعرف في نفسي ، أنّها بريئةً منه . فراحت تبكي وتقول :
لو عرفت أنّك كأبناء المادة ، غير قادرٍ على فهم ما في روحي من الحزن ،
لما كنت أمّنتك على أسراري ، التي رويتها لك . وأنت تعتقدني صاحبة آلامٍ كاذبة ، فزدت عليّ أضعاف آلامي !!

لو عرفت أنّك هكذا ، لما كنت اقتربت منك ولا تعرّفت إليك .
وآسف أنّ ما دفعني لذلك ، هو إشارةٌ من السماء قالت لي بأنّك توأمي .
فارحل عنّي الآن ، ودعني وحيدة .
إرحل ، وفكّر أنّ ما طلبته منّي ، كان كصكّ البيع والشراء .
بينما ما كان بيننا أعظم من ذلك بكثير ، وأنت بعته للشيطان .

***

ذهبت الى منزلي ، والحزن يمزّق ما تبقّى من أشلاء روحي ، فخرجت من فمي هذه الكلمات ، في عتمة الليل :
سامحيني يا وردتي ...
سامحيني ، لأنّ طمعي حاول أن يقطفك من بستاني ، كي لا يسرقك أحد .
سامحيني ، لأنّ خوفي حاول أن يخبّئك في قلبي ، كي لا يراك الناس .
سامحيني ، لأنّ رخصي حاول أن يأخذك من الحقل ، ليضعك في وعاء .
سامحيني ، لأنّ ضعفي حاول أن يحميك من الغد ، كي لا تنهشك براثن الموت .
سامحيني ، لأنّ جهلي حاول أن يرميك في مكانٍ ، تموتين فيه مع الوقت .
سامحيني ، لأنّي حاولت التفكير بالمستقبل ، هو الذي لا يصله إلّا الّله بلا حاضر .
سامحيني ولا تتركيني وحيداُ ، أبكي بسبب خطأي ، وأبكيك ....

***

فلأنّي أخطأت ...
سأظلّ أبكي ، حتّى تجفّ الدموع في عيوني ، ولن تجفّ حتّى يجفّ ماء البحر .
سأظلّ أسهر ، حتّى تذوب القوّة في جسدي ، ولن تذوب حتّى تذوب ثلوج الشتاء .
سأظلّ أناديك ، حتى يصل صوتي الضعيف الى أعماقك ، ولن يصل قبل حلول الصباح .

***

سأظلّ أصلّي ، حتّى يسامحني الّله فيعيدك إلي .
يسامحني ، لأنّك أنت من نظرت اليها ، فأمتلأت بالقوّة ، كما تمتلئ أوراق الأغصان .
أنت من نظرت اليها ، فتفتّح قلبي ، كما تتفتّح أزهار الحقل .
أنت من نظرت اليها ، فبرقت عيناي ، كما يبرق ماء النبع .
أنت من نظرت اليها ، فأنغمرت بالدفء ، كما تنغمر قلوب العصافير .
أنت من نظرت اليها ، فداعبتني نظراتك ، كما تُداعبُ الحشائش الصغيرة .
أنت من نظرت اليها ، فانتفضت فيّ الحياة ، كما تنتفض الخليقة عند شروق الشمس .

يسامحني ، لأنّك كنت شمسي ، فرميت نفسي في الظلمة ....

***

حملت الرياح كلماتي ، الى ملكتها إبنة الشتاء ، التي بكت حتى الصباح ، فأحسست بالبرد ، أنا من كان يعيش الربيع في كانون ....

***

The Shore Of Happiness شاطئ السعادة


دقّ الصباح على زجاج نافذتي ، ليوقظني ، فوجدني بانتظاره ، لأسأله إن كان رآها .
فأجاب بأنّها تنزف ثلوجاً على سفح الجبل ، وتذرف أمطاراً على بيوت البشر .
ثمّ سألني عن الذي فعلته وأحزنها ، فأخبرته قصّتي ، وطلبت منه مساعدتي على إيجاد الحلّ . فقال لي أن أذهب باحثاً عنها ، لأنّها أرقّ وأعذب من أن تتجافى وتوأمها .
***
وصلت الى قمّة الجبل ، ترافقني نظرات الناس الحشريّة ، فوجدتها وبادرتني فوراً بالسؤال :
ماذا جئت تفعل عندي ؟
ألا تكفيني جراحي ؟
هل أتيت لتزيد من عمقها ، فلا تشفى أبداً ؟
قلت بأسىً أغمض عيوني :
أعرف أنّي كنت أرسل في الماضي ، كلمات في الغيوم لأرويك .
وأعرف أنّ المياه التي وصلتك في الأمس ، لم تروك ، بل جرفت أرضك بأذيّتها ، فملأتك جراحاً .
***
عرفت ما فعلت ، لأنّ المياه التي عادت الى لججي ، عادت عبر أنهر الغضب .
عادت محمّلةً بكنه حياتك ، دمائك ، ترابك .
فأرجوك أنيريني ، لأنّي لا أعرف شيئاً دونك .
أنيريني كي أصحّح خطأي .
فقالت : صلِّ للّه كي يسامحك .
فأنا سامحتك ، لأنّ جراحي بلسمتها كلماتك ، التي قلتها مساء البارحة .
صلِّ للّه ، كي يعيد لي ما خسرته ...
فقلت : سامحني يا الهي ، ودع نسمات السماء تهزّني ، حتّى أعيد ما أخذت .
دعها تهزّني كي يتشكّل شاطئ سعادتي والأرض ...
... فكان السماح ، وعاد الربيع ، ربيعنا بعدما مرّت تلك الغمامة ، وتشكّل الشاطئ .
شاطئ السعادة ....
***

The Angels Juice عصير الملائكة


وكانت إرادة اللّه ... ، فسار الى بحيرة المحبّة الأبديّة ، إبن الطبيعة وابنتها .
الإبنان اللذان صارا واحداً ، بعدما جمعا بنسمةٍ رافقتهما على الدرب الطويل ، درب الحياة . الذي كان في الماضي متحفّاً بالأشواك والآلام .
الماضي الذي ولّى ، تاركاً المكان للأزهار ، التي مرّت النسمة بقربها فرقصت فرحاً . وأومأت الى الأشجار طالبة منها المشاركة في العرس . فانحنت أغصانها لتعانقهما ، وتهنّئهما بصوت حفيف أوراقها ، الذي كان كنغمةٍ سحريّةٍ طغت على المكان ، على أرض السعادة .
فراح الشياطين يبكون من بعيد .
***
في البحيرة التي كان يرويها ينبوع المحبّة الأبديّة ، اللّه ، قلت لها :
أنت ، ولدت وحيدةً ، ومشيت على طريق الحياة ، مثقلةً بالأحزان .
أنا ، ولدت وحيداً ، ومشيت كأعمىً ، لم يرَ في حياته النور .
لكنّنا مشينا ، ولم نتوقّف رغم المصاعب .
مشينا مسيّرين بنغمة موسيقى سحريّة تشفي الأوجاع .
موسيقىً كانت سبب لقائنا الأوّل .
موسيقىً وضعتني بالقرب منك .
نعم بالقرب منك لكن أين ؟
في بحيرة الأبديّة !
البحيرة التي اضاءت عيوني بنور قلبك .
البحيرة التي قطّعت جذوع حزنك بفأس قوّتي .
البحيرة ، التي وصلنا اليها لنعتمد ،
على يد عرّابنا الحبّ ،
على يد عرّابتنا المحبّة ،
وتحت إرادة الّله .
إرادة الّله التي كتبت على جبينينا سعادتنا ،
سعادتنا بأن نكون سويّاً ،
سويّاً في الفرح والحزن ،
سويّاً لابسين ثوب أمّنا الطبيعة ....
***
وكانت في السماء ، عناقيد حمراء . فقطفتها أسراب الملائكة ، وداستها بأرجلها ،
فتقطّرت دماءً ، ذرتها أجنحتها في قلوبنا .
دماءً دخلت أعماقنا ، فأعادت لنا الحياة .
دماءً وزّعت دفئاً ، تحمّرت عليه خدودنا .
دفئاً تناقلته نظراتنا ، بعدما ذابت ثلوج أحزانها .
دفئاً تناقلته أناملنا ، التي شبكتها النسمات ، فساعدت الشرارة لتتحوّل ناراً في اليباس ،
ناراً إشتعلت فغطّت أجسامنا بالنور ، الذي أعلن للعالم اتحاد أرواحنا ....
***

The Sun Saw Us رأتنا الشمس


مرّت أيّامٌ كثيرة ، قضيناها هائمين بالمحبّة ، التي كانت كشاعرٍ ، ألهب بالأحاسيس قلبينا ، بحرارةٍ كحرارة النار .
التي كانت كنحّاتٍ ، جمّل بالنقوش عقلينا ، بضيٍّ كضي النور .
التي كانت كرسّامٍ ، روى بالألوان حياتنا ، بعذوبةٍ كعذوبة الماء .
التي كانت كمغنٍّ ، رقّص بالألحان روحينا ، بلطافةٍ كلطافة الهواء .
التي كانت كمبدع ، هندس بالقوّة هيكلينا ، بقوّةٍ كقوّة الصخور .
هندسه بقوّةٍ ، كي يكون أهلاً لاستقبال الإله فيه .
الإله الذي دخل الينا ، بعدما استعملها جسراً للعبور ....
***
وكنّا لا نزال بعيدين عن الشمس ، التي كانت الوحيدة ، الجاهلة ما بيننا في هذا العالم .
لأنّ الناس الآخرين كشفونا ، بعدما خلعنا عن وجهينا الأقنعة الشفافة ، التي كانت كالدخان ، الذي يخفي لبّ النار بين أجنحته ، وهو دوماً الدليل على وجودها .
خلعنا الأقنعة ، لأنّها كانت تخنق أنفاسنا ، بدخانٍ مصدره سعادتنا .
خلعناها ، لأنّه ليس هناك من داعٍ لنخاف ، ونحن لا نخطئ ....
***
لكنّ الوقت كان يسير بنا مسرعاً ، فعادت الشمس باكراً ، ووجدتنا معاً ، غارقين في أحلام ربيعنا ، الذي كان لا يحقّ لإبنة الشتاء الإحساس به ... ، وكانت الشمس القيّمة على هذا القانون .
فصوّبت الى وجهي ، سهام نظراتها الحانقة ، لأنّها لا تقبل بابن الطبيعة ، فهو الوحيد الذي لا تقدر عليه ، كما تفعل بأخواته الأربع .
فعدت الى إبنة الشتاء في اليوم التالي ، في نهاري الذي كان ظلمةً للناس ، وقلت لها :
يا قمري ...
يا قمري ، لن أقدر أن أراك بعد الآن ، إلّا عندما تذهب الشمس الى بلادٍ بعيدة .
حيث لا ترى منها ، أنّنا ملكان في تلك الظلمة .
حيث لا تحسّ بي نجمةً ، جوهرةً على تاجك .
يا قمري ...
لا يرى الناس منك إلّا وجهك ، الذي يغطّيه نورها .
ولا يرون وجهك الآخر ، الذي أنيره أنا وأعرف خفاياه .
... هم من لن يعرفوا يوماً ، أنّك اخترتني أنا ، وتركتها تسير وحيدة ،
وحيدة في النهار ....
فقالت :
حقّاً ، مهما كانت الغيوم كثيفة ، ومهما طال تخفّينا فرياح الأزمنة قويّة .
قويّةٌ كفاية لتزيحها ، فتكشف عن وجود الشمس .
الشمس التي حاولنا كثيراً الهروب منها ، دون أن نكون مذنبين .
فاعتدنا على السير في الظلمة ، التي علّمتنا أن لا نقول الحقيقة .
الحقيقة التي عرفها الجميع الآن ، لكن علينا أن ننتظر النهاية .
علينا أن ننتظر موتي على يد الشمس ....
***

Where are you my Dreams? أين أنت يا أحلامي ؟


أنبتت السعادة لروحي أجنحةً ، فارتفعت من ظلمة اليأس ، لتطير في أحلامٍ ، ولّدها طمعي بالمزيد .
فمحت الأحلام بأخيلتها من عقلي الماضي ، وأنعشت الحاضر ، وأبقتني في حالة ترقّبٍ من المستقبل ، الذي كنت أعرف ما هو ، وأغمضت عينيّ عن قصدٍ كي لا أراه .
لكنّ جفوني لم تعد قادرةً على إخفاء الحقيقة ، وأحلامي التي نقلتني الى دائرة النور ، صارت مصدراً للآلام ، فناديتها من وراء اليقظة :
أين أنت يا أحلامي ؟
الى أين تهربين ؟
لماذا منذ أن وعيت على هذه الدنيا ، لم أرك إلّا نسماتٍ تمرّ مسرعةً ، وتتركني وحيداً مشدوهاً بمداعبتها ؟
فهل أنا مثل حشائش الحقل ، تلطمينها ، فتركض وتبقى مكانها ، لأنّها معلّقةٌ بالأرض ؟
هل أنا مثل سطح الماء ، تهزّينه ، فترتطم أمواجه بسدّ المستحيل ، ويعود لما كان عليه ؟
لماذا جعلتني كطفلٍ صغير في يوم الفطام ، يرى ما يحتاجه ، ولا تطاله يداه ؟
هل هذا طمعي الذي أرادني كبيراً ، فجعلتني أحسّ بمدى صغري ؟
هل هذه قوّتي التي عظمت ، فأخبرتها عن الضعف الذي ورثته ؟
هل هو خيالي الذي حاول بلوغ المستقبل ، فأفهمته أنّه أعمىً عن الحاضر ؟
لماذا تتركين تلك اللوعة في قلبي ، وترحلين الى ما لا نهاية ؟
لماذا ، ألست جديراً بأن ألامس أذيالك على هذه الأرض ؟
هل هذه الحياة هي عالم الأحلام ؟....
إن كانت كذلك ، فهل لي من أملٍ بلقياك في أديم السماء ؟...
***

The Death Approaching إقتراب الموت


كان الربيع ، ربيعنا ، ثمّ تلاه صيفٌ قصيرٌ ، دفعتنا خلاله الشمس ، لننضج ثمار حبّنا . ثمّ خريفٌ قصيرٌ ، أجبرتنا فيه الشمس ، على قطاف ما نضج . وكلّ هذه الفصول ، مرّت في أقلّ من أربعة أشهر .
لكنّ غيوم الحزن ، بدأت تظهر في فضاء أحلام يقظتنا ، أشعةً ذهبيّة ، معلنةً دنوّ الرحيل ، معلنةً إقتراب الموت .
***
ناديت إبنة الشتاء قائلاً :
أنظري ، ها هي أوراق الأشجار ، التي كتبت عليها الأيام ، قصّتنا تلحّف الأرض بصفارها .
أنظري ، ها هو النمل ، الذي رافقنا في الحقول ، ليعلّمنا عدم الإستسلام ، يسرع ليجمع ما تبقّى من غلّة الصيف .
أنظري ، ها هي الطيور ، التي عزفت لنا الألحان لنرقص ، تركض هاربةً من قبضة الصقيع .
أنظري اليّ ، كي تدفئ نظراتك قلبي ، فيخزّن للشتاء .
أنظري اليّ وأغمريني بنورك ، لأنّ الظلام سيحلّ قريباً .
أنظري اليّ فنيران المواقد لن تكفيني لترفع عنّي البرد !.
أنظري اليّ لأرى نورك ، ولو لآخر مرّة قبل أن تنوب عنه الأضواء الكاذبة .
أنظري اليّ ولا تبخلي ، لأنّي سأنتظرك حتّى يحلّ الربيع ، ربيعنا الجديد .
سأنتظرك صابراً ، حتى تذوب في السماء ، الغيوم السوداء التي ستحجبني عنك ...
***
قلت ذلك ، بينما كانت أوراق الأشجار ، التي لحّفت الأرض بصفارها ، ترتفع لتلاقي البراعم ، وهي ترتدي حلّةً خضراء جديدة .
قلت ذلك بينما كان النمل ، الذي إختفى ، يخرج من أوكاره ، ليبحث عن الطعام .
قلت ذلك بينما كانت العصافير التي هاجرت عائدةً .
قلت ذلك بينما كانت شمس الطبيعة تخرق الغيوم ، لتقتل إبنة الشتاء ....
***

The Lebanese Ground أرض لبنان


خرج الحزن من أعماقي ، والحرقة ألهبت أحشائي ، التي تمزّقت من الألم .
فلم أعد أتمنّى إلّا الموت ، لأنّ حياتي لم تعد تعني شيئاً . فقلبي المكسور ، يكاد يتوقّف عن الخفقان .
***
لقد سُرق لباس قوّتي ، وتُركت عارياً ، فتقزّزت أعماقي من برد الضعف .
كما غرقت مقلتي ، في مغارتين من العظام ، يسير في كلّ منهما نهر من الدموع .
والدموع جفّفت روحي ، فمات نومي الذي كان مزروعاً فيها .
مات نومي الذي كان يريحني ، فحلّت محلّه الكوابيس ، التي أغرقتني في دوّامة الضياع !، لأنّ روحي لا تزال معلّقةً بحياةٍ لم أعد أريدها !!!
***
خرج الحزن من أعماقي ، فراحت تعزّيني أرض لبنان ، لأنّها تعرف معنى الفراق .
لأنّ إبنة الشتاء الراحلة ، كانت لي كما السنونوّة الراحلة ، فقلت لها : قلبي بدأ يبرد ، والبرد فرض علي .
قلبي بدأ يحزن ، والحزن أبكى سواد عينيّ .
فسألتني : لماذا تبكي ؟
قلت : لأنّ عصفورتي سترحل لبلادٍ بعيدة !
قالت : وماذا تعطيك لتبكي عليها ؟
قلت : هي تدلّك أهوائي بخفق جناحيها ،
هي تشدّ عيوني لأشاهد احمرار خدّيها ،
هي تجذبني لأعانقها كي لا تقع على رجليها .
قالت : ولماذا سترحل ؟
قلت : لأنّ البرد الذي فرض على قلبي وقلبها ، لا تستطيع هي احتماله !
إنّه يقتلها !
قالت : ولِمَ البكاء ؟
قلت : إنّه اشتعال الشوق ، والخوف .
إنّه الشوق لتعود الى ربوعي ، الى أشجاري ،
لتبني أعشاشها عليّ .
إنّه الخوف ،
الخوف من الظروف التي ستعيق اللقاء .
قالت : لا تبكِ ، إنّ الشتاء ليس طويلاً ، فأنا معتادة عليه .
وسيعود الربيع ، ومعه ستعود هي .
ستعود الحياة ، وإن أراد الّله ، فلا يمكن للظروف من أن تفرّق الأحباب ...
***

Good Bye الوداع


وقفت قرب ابنة الشتاء ، تحت إحدى أكوام الثلوج ، في لحظة غياب الشمس ، التي كانت تراقبنا ، والغضب يغلي في أعماقها ، وقلت :
أنظري الى الشمس وهي تغيب ....
وأنظري الى عيون ذاك العصفور الصغير ،
فهي التي تبكيه .... وهو لا يعرف ماذا سيفعل ؟!
ماذا سيفعل ، بعد أن يرحل من أعطاه النور ؟
ماذا سيفعل ، بعد أن يرحل من أعطاه الدفء ؟
ماذا سيفعل ، بعد أن يرحل من أعطاه القوّة ؟
***
أنظري الى الشمس وهي تغيب !
تغيب لترحل بعيداً ،
بعيداً تاركةً إيّاه حزيناً ، لا يفكّر إلّا فيها في كلّ لحظة .
يفكّر كيف ابتلعتها أمواج البحر في اللانهاية !!
كيف تحوّل الدفء عنده الى ذكرى !!
كيف دمّرت سعادته عجلة الزمان !!
فهل سيستطيع الانتظار في بردين !!
برد الفراق ،
وبرد الظلمة التي لا ترحم ؟!
بردٌ يكاد يقتله لولا حبّ الحياة لديه !!
هذا الحبّ الذي جعله يصلّي .
فصلّى وصلّى .... لكن لم يكن له إلّا جوابٌ واحدٌ ، جعله الّله تعالى لكلّ الخليقة :
" في الصباح ستشرق الشمس من جديد " !.
فقال العصفور وداعاً أيّتها الشمس ، وتوقّف عن البكاء ، لأنّه ليس إلّا واحداً من هذه الخليقة .
وها أنا أقول لك الوداع !!.
الوداع على أمل اللقاء من جديد .
لقاءٌ أرجو الّله ألّا يجعله بعيداً .
أرجو ألّا يجعله بعيداً ، لأنّ الدمعة لن تفارق عينيّ حتّى ذلك الحين ، كما فعلت مع ذلك العصفور الصغير .
لن تفارق عينيّ ، لأنّ إيماني أقلّ من إيمان هذا العصفور .
لأنّ قلبي أضعف من قلب ذاك الصغير .
أضعف في حبّه لك .
أضعف في حاجته إليك .
حاجته إليك ، التي جعلتني من دونك ، إنساناً ليس من الخليقة ....!!!
***
وفي صباح اليوم التالي ، ولد ربيع الناس ومات ربيعي .
ظهرت شمس الناس واختفت شمسي .
عاد النور ليغمر حياة الناس ، وأنا انتقلت للعيش في الظلمة ....!؟!
***

Days Of Sadness أيّامي الحزينة


في تلك اللحظة الرهيبة ، توقّف الزمان ، وباتت أيّامي تمرّ متثاقلة لابسة ثوب الحداد .
فاختفى صوتي من كثرة الصراخ ، وقلبي انقبض من كثرة الحزن .
أمّا عيوني فقد حجّرها البكاء .
لكنّي بقيت أناديها وأتألّم :
لماذا تركتني وحيداً ، وحلّلت للبرد التغلغل في ضلوعي ؟
أين أنت !
أرجوك أن تردّي !! هل تسمعينني ؟
أنظري اليّ ، هل ترينني ؟
أنظري الى عصفوري الذي توقّف عن الغناء ،
... الى أزهاري التي ذبلت وهي تنتظرك !.
أين رحلت ؟ فلم يعد هناك من شروقٍ أو غروب !
أين رحلت وتركتني مثل الأعمى !
عودي !
عودي أيّتها الشمس !!..
عودي يا شمسي !!...

***

في غيابك يا ابنة الشتاء ...
بقيت على هذه الأرض ، لأبحث عمّن يدفئني بعدما جلّدت قلبي الوحدة .
فلم أجد أمامي إلّا الذكريات ، التي بدل أن تدفئني ، أحرقتني بنار الشوق .
الذكريات ، التي كانت تسكن في قلوب أزهار ربيعنا ، التي كنت أقطفها ، لأحيك بألوانها لرأسك تيجاناً . فاستحت الأزهار ، لأنّها كانت عاريةً بجمالها أمامك .

الذكريات ، التي كانت تسكن في زقزقات العصافير ، التي رجوتها أن تعزف بحناجرها ، اللحن الذي تحبّين . فغنّيت على لحنها ، وسكتت العصافير خجلةً بالحان حناجرها ، أمام الألحان التي نطقت بها شفتاك .

الذكريات ، التي كانت تسكن في قلوب الناس ، والتي عصرت كلّ ما فيها من حبٍّ ، وقدّمته لك ، فاستحى الناس ، لأنّ الحبّ في قلوبهم ، كان لا يساوي شيئاً أمام بحر الحبّ الذي سكن قلبك .

***

ذكرياتٌ ، وذكرياتٌ ، وذكريات ....
ذكرياتٌ أحسست بها ، عندما زرت الأزهار فوجدتها ذابلةً !! لأنّ جمالها رحل مع جمالك .
أحسست بها ، عندما وجدت العصافير خرساء ، بعدما رحل صوتها مع صوتك .
أحسست بها ، عندما وجدت الناس متحجّرين ، لأنّ الحبّ في قلوبهم رحل مع قلبك .
والحبّ الذي في قلبي ، لم يعد له ، إلّا النجوم ، وأقمار الليل ، لتخبره عن مكانك ، في تلك البقاع الفسيحة ، كي يعرف إن كان سيسمح لي بالحياة مع الأمل ، أو سيقتلني باختفائك .....

***

Hope الأمل


هذه هي الشجرة العملاقة ، التي ناطح رأسها السحاب ، في الأعالي ، بعيداً عن الآلام والأحزان .
الآلام التي كادت تخنقها منذ صغرها ، لولا إرادة الّله ، التي علّمتها ، كيف تمتصّ ماءها من الجوف .
علّمتها ، ورغم ذلك بقي لها جذور سطحيّة ، بسبب قلّة إيمانها .
جذورٌ سطحيّة ، جعلتها بعيدة عن الكمال ، رغم طموحها اليه ، الذي دفعها لتوزّع هواءً نقيّاً ، كي لا تحرق في النار ، عندما تقطعها فأس الردى .
فأس الموت التي تذكّرها دوماً ، أنّها من الأرض ، أنّها ستفنى ......!!

***

فهل لها من أمل ، وهذه حياتها ؟
هذا قدرها بأن تكون بعيدةً عنك !
بعيدةً عن ضحكتك المتجهّمة بالغيوم ، التي أعطتها السعادة .
بعيدةً عن قلبك المكفّن بالسواد ، الذي جعلها تحسّ بالمحبّة .
بعيدةً عن عيونك اللامعة بالبروق ، التي غمرتها بالنور .
بعيدةً عن حنانك المعصور أمطاراً ، الذي روى جفافها .
بعيدةً عن صداقتك التي قتلت وحدتها ...

هل لها من أملٍ بلقياك من جديد ، يا إبنة الشتاء ؟....

***

The Return In A Dream عودةٌ في الحلم


كتب الأمل رسائلي ، وسلّمها للغيوم ، التي كانت آخر ما تبقى من أذيال روحها .
وبقيت الشمس ، لتهزأ منّي في كلّ الأيّام ، التي لم أكن أراها إلّا سواداً .
الشمس التي كانت تخفي وراء قشرتها ، حبّاً كبيراً لابنة الشتاء .
حبّاً متساوياً مع حبّها لبنات الفصول الأخرى .
***
كانت إبنة الشتاء تعرف ، أنّ لا حياة لي بدونها .
فرجت السماء ، التي سمحت لروحها بزيارتي ، لمرّةٍ واحدة في الحلم ، لتلبسني ثوب الحياة الجديدة ، التي وُعدت بها منذ لقائي الأوّل .
***
دخلت عليّ من عالم الأروح ، حيث كانت تسكن روحي الهاربة من الأرض ، وراحت تقول :
لِمَ الحزن والبكاء ، وأنت في الربيع ؟...
قلت :
- وهل أستطيع أن أعيش الربيع دونك ؟
قالت :
- قد أرسلتني السماء ، ومهمّتي هي ريّ البذار ، الذي نثرته في روحك يد ملائكتها .
أتيت لأرويه بماء أمّي وأمّك الطبيعة ، بالماء الذي هو جوهرها ، وأساسٌ لكلّ ما فيها .
أتيتُ الى هذه الأرض ، في اليوم الذي وُلدتَ فيه ، في كانون ، كي أسلّمك أسراري ، التي هي أسرار كلّ الدنيا . أسرار أفراحها ، واحزانها .
أتيت كي أعطيك الحقيقة . حقيقة كلّ ما في الوجود .
أتيت اليك ، وطلبي الوحيد من السماء ، كان في أن تحبّني كما أحبّك .
لأنّه لي هدفٌ في أن أعيش الربيع ، وأمنع الشمس من قتلي ، وقد حقّقت ما جئت لأجله .
أتيت اليك ، فعشت الربيع معك . عشته لأوّل مرّة ، بعدما كنت منذ ملايين السنين ، مثل أمٍّ تلد
إبنها ، وتموت دون أن تراه .
عشته في ربيعنا . ربيع حبّنا السماوي الذي سأعيشه الى الأبد ، والذي أرجوك أن تعيشه . أرجوك ألّا تموت من الحزن ، لأنّك بذلك تقتلني ، فأنا أعيش في داخلك ، وأنا جزءٌ لا يتجزّأ
منك !!
... أرجوك ألّا تنشلّ من الحزن ، لأنّي لم أتركك كما اعتقدت ، ولن أتركك أبداً .
فقم واعتنِ بالأشجار ، والأزهار ، والحشائش التي نمت في داخلك .
قم واجعلها تكبر .
قم واجعلها تنتج ، كي يتلذّذ الناس بالوان جمالها ، وبطعم ثمارها .
قم وأفرحني بما تعطي .
قم ، فهكذا تجعلني أحبّك أكثر .
قم ، قم وافرح ، لأنّه ما من أحدٍ غيرك له ما لك .
قم وأعطِ ، قم وأعطِ ، قم ، قم ... قم ....
***
... إستفقت من سباتي العميق ، وخرجت الى الناس الذين قالوا :
- لم نرَ قطّ في حياتنا ، مثل هذا .
إنساناً يعيش في جسد شاب ، وله عقل شيخٍ جليل ، وفي أعماقه ينبض قلب طفلٍ صغير !!!
أمّا أنا فحيّيت الشمس ، التي كانت تضحك عبر الأثير .
حيّيتها بمحبّةٍ كبيرة ، لأنّه لولا الشمس لما وجدت إبنة الشتاء ،
ثمّ شكرت اللّه ، لأنّه لم يسمح لها بسرقتها منّي .........
***

To The Sea... To God الى البحر ... الى اللّه


.... إنّ الحبّ المخزون في قلب الإنسان ، لا يختلف بشيء عن الماء المخزون في أعماق الأرض . فكلاهما أعذب وأنقى ما اختارته السماء ، لتروي جفاف شعبها .
لكن ، كلاهما يبقى في الأعماق ، حتّى وإن حرّكتهما الجاذبيّة أو الجراح !!.
***
إنّ حركة الماء في الأعماق ليست ماءً ، كذلك حركة الحبّ في القلب ليست حبّاً . لكنّ الحرّكات قد تطغى في المستقبل .
فإن توغًّلَ الإثنان أكثر في الأعماق ، سيصعب حينها ، على من كتب له التمتّع بهما ، إخراجهما . وقد يكونان ساعتها ، ساعة إخراجهما ، ألذ ، لأنّه سيشرب بعد عطشٍ شديد .
وإن صعد الإثنان ، ليكونا قرب السطح ، سيسهل حينها ، على من كتب له التمتّع بهما ، إخراجهما . وقد يكونان ساعتها ألذ ، لأنّه سيشرب بدون عناء .
***
لكن ، في أحيانٍ كثيرة ، أكانا في الأعماق ، أو قرب السطح ، ولأسبابٍ كثيرة ، قد يسهل أو يصعب تصديقها ، يشقّ الحبّ والماء طريقهما ، ويتفجرّان على النقطة الفاصلة بين الخفاء والعلن ، نبعاً يتلذّذ به ، من كتب له التمتّع به .
لكن ، إن لم يكن هذا الأخير موجوداً ، فالماء لا يضيع ، لأنّه يتوجّه الى البحر . والحبّ لا يضيع لأنّه يتوجّه الى بحر الكون ، الى اللّه ......
النهاية والبداية ...
ساسين النبّوت